الجمعة، 4 سبتمبر 2020

بائع «الفريسكا» و«الإسكنشايزر» الجديد.

الأسبوع الماضي انفجرت مواقع التواصل الاجتماعيُّ على تريندٍ جديد، عنوان آخر يُضاف إلى العناوين التي لا تنتهي عليها، وسمٌ آخر تكلم عنه الجميع بين متعاطفٍ دامعٍ ومتناولٍ للحدثِ بتصفيق.

يبدأ الفيديو بشابٍ ينادي على بائعٍ للـ«فريسكا» ليتضح بعدها أنّه ليس بائعُ «فريسكا» عاديّ إنّه بطلٌ خارقٌ جديد لكنّه نسخةٌ محليّة رديئة تصلح فقط لجلب التعاطف تجاها من مرهفي الحس وأنصافِ المتعلمين، ليتضح بعد ذلك أنّه طالبٌ في كليّة طب يعولُ أسرةً ببيعِ «الفريسكا» وراضٍ تمامَ الرضى ومبتهجٌ ويملي الشاطئ بالبهجة.

لكن لنضع الأوضاع الاجتماعية على الجانبِ وبائع الـ«فريسكا» على الجانب أيضًا لنتأمل مصدر هذا التعاطف، مصدر هذا التعاطف يمثل كل ما هو سيءٌّ في مجتمعنا، من نظرة أن بعض المهن لا تصلحُ للفقراءِ وأن حصوله على كلية طبٍ هذا معجزة، وافتراض أن نسخة هذا البائعِ اللطيف هي نسخةٌ فريدة من نوعها، ولكن الحقيقة في الواقع عكس ذلك. بعيدًا عن أضواء السوشيال ميديا التي تنتقي، لو نزلت الشارع أي شارعٍ ستجد مئات النماذج من كل شيءٍ، ستجد أطفالًا لا يتعدون الخامسة عشر ويعملون في البناء، سترى ذلك الطالب الذي يعمل صيفًا كي يوفر مصاريفه دراسته ويعول أسرته، سترى أطفالًا يعولون أسرًا بأكملها، وسيداتٍ يكافحن ليلًا ونهارًا لإعالةِ أسرهم وأزواجهم الذين مرضوا وعجزوا.

الحقيقة الواقعة أن الناس يحبون شعارات هراء التنميةِ البشريةِ، قصص النجاحِ المثيرة كـ«بائعِ الفريسكا»، و«أنت استثنائي»، و«أنت تقدر» و«أنت سوبرمان»، أو بالأحرى كما أبدعها وحيد حامد في فيلم «النوم في العسل»: «أنا كويس، أنا بُومب، أنا حديد... تلت مرات قبل الأكل.» ولا ينظرون للواقع فحسب ذلك الواقع المزرى الصعب المحفوف بالمصاعب الذي لا ينجوا ولا ينجح فيه إلّا القليل، ويصنعون لأنفسهم سلعًا جديدة يسوِّقونها لأنفسهم ولأولادهم «إسكنشايزر جديد... نحل ببزوز...» سرعان ما يفقد بريقه ويطفوا تريندٌ جديد ووسمٌ آخر وتدور دائرتنا وظروف مجتمعنا كما هي إلى الأبد. 


 أنا كويس، أنا بُومب، أنا حديد... تلت مرات قبل الأكل

*****


أراكم المرة القادمة...