الاثنين، 2 ديسمبر 2019

سنرحل قبل الفجر.

إنَّ لأشَّد ما يؤلمنا في هذه الحياةِ، ليسَ مُر حيواتِنا، بل افتقادنا للمعنى فيها، افتقارنا لأن نعرف حتى أنفسنا، نضيعُ وسط تسارعِ الكونِ حولنا، يومًا تلو الآخر حتى نكتشف فجأةً أنّنا لا نعرف حتى أنفسنا، نكتشفُ فجأة أن القطار قد فاتنا، أنّنا كبرنا، وشابَ الشعرُ شيبةً، بل وشابَ معه كل شيءٍ حتى أجسادنا صارت مريضةً ولا تقوى حتى على حملنا.

لكنّنا مُتعبون فحسب، متعبون في مطاردة أحلامنا؛ أحلامنا حتى البسيطةُ منها إكتشفنا أنها ليست ببسيطةٍ على الأطلاق، أحلامٌ حين تحسبها رياضيًّا تكتشفُ أنّها تساوي كثيرًا، لكنك تحلمُ على أملٍ بأنّك تستطيع، وببعضِ قفزاتٍ من الحظ والإيمانِ يصلُ البعضُ، يصلون ولكنهم يضحّوا من أجل ذلك بأشياءٍ أغلى وأنفس، يدفعون في سبيل أحلامهم الغربة ثمنًا.

هذهِ هي الحياةُ التي نعيشها بحلوها ومرها، حياةٌ يزينها رجالُ ديننا الشرفاء بالصبرِ والاحتسابِ والأجر ويجمّلها مدربي تنميّة الخرافاتِ بالأساطيرِ حتى تستمر الحياة وتدورُ العجلة، وربما يكون ذلكَ حلًا منطقيًّا فالحلُ الآخرُ هو ثورةٌ يثور فيها هذا الشعبُ المُتعبَ على أوضاعهم. وساعتها لن يكون لكلامهم قيمةً وسينكشفون بأنهم لا أكثر ولا أقلَّ من نصَّابينِ، لاعقي أحذيةٍ.

سألني صديقٌ: «متى وصل بنا الحال لهذا الدرجة؟ شبابٌ ينتحرون بهذهِ البساطة»، قلت: ربما همُ الصوابُ ونحنُ الخطأ بشتى صورة، ربما تكون هذه أشدَّ الأفعالِ اعتراضًا على الواقع، هؤلاءِ بضعفهم هم شهداءُ المعركة وسلاحُ تغييرها، جعل الناسِ يفكرون في معاناةِ واكتئاب أصدقاءهم، أن يربت كل أبٍ وكل أمٍ على أكتافِ أولادهمِ ويقولون لهم أن لا بأس.

يعطوهم الفرصة أخيرًا مراتٍ ومراتٍ، ويتحدث ويجتمعُ الأصدقاءُ القدامى مع أصدقائهم يتحاورون ويتسامرون ولا يرحلون إلّا قبل الفجر ويعم السلام على قلبٍ واحدٍ فقطٍ كان وحيدًا فأصبح له صديقًا يداوي وحدته. بعيدًا عن مزايداتٍ مواقع التواصلِ الاجتماعيِّ وصخبها المؤذي الذي لا يقدِّمُ ولا يؤَّخر.


Bryan Charnley - "The Self Portrait Series".

*****

أراكم المرة القادمة...

الثلاثاء، 2 يوليو 2019

محمد صلاح، الـ«Mentality»، ووهم المعرفة الزائف.

هناك إشكالية كبيرةٌ وهي أنّه في مرحلةٍ ما من حياة الإنسان وأثناء نضجه ومسيرته الحياتية والمهنيّة تتشكَّلُ شخصيّته، وتصرفاته بناءً على شخصهِ وتربيته وبيئتهِ الاجتماعيّة والتعليميّة ومستواهُ الثقافيُّ، وهنا أفصلُ بين المستوى التعليميِّ والثقافة فهما شيئين منفصليّن، لأن المستوى التعليميّ ليس دليلَ نضجٍ على عكسِ ما يتصوره البعض.

نعمُ يمكن أن يكون عاملًا رئيسيًّا وضرورة ولكنّه ليس دليلًا على الثقافةِ والوعي بأي شكلٍ من الأشكال، فنجدُ أطباءً ومهندسين وأساتذةِ جامعة على مستوى ضحلٍ ومنحطٍ في الثقافة والفكر، نجدهم يؤمنون بالتقاليد والعاداتِ والوصفاتِ المنزليةِ أكثرُ من إيمانهم بما تعلَّموه –وعَلَّموه في بعض الأحيان الكثيرة وليست القليلة- في الجامعة والمدرسةِ وفي رسائلِ التخرج وإلخ. 

والإشكاليّةُ الأخرى أننا نجدُ بعض الأشخاص الذين يبدؤون من القاع ويصلون ليصبحوا نجومَ مجتمعٍ وينظرُ لهم الناس بأنّهم قدوةٌ ومثالٌ يُحتذى به، هو أنّه ينكشفُ أمام الناسِ في معتقداته وتربيته وأفكاره سواءًا كانت تقدميّة أو رجعيّةٌ عفى عليها الزمان، تنكشفُ بمقدار نضج الشخصِ ومعرفتهِ، لذا إنكشف لنا محمد صلاح كما رأيتم في الأيام القليلةِ الماضية، انكشف لنا لأنّه صدّر صورة الخلوق ووجدها لا تناسبُ الصورة الأوربيّة والحملات الدعائيّة والإعلانيّةِ فانصرفَ عنها، انكشف لنا رجعيته في دفاعه عن وردة وليس هذا فحسب بل في اختياره لكلماتٍ إنجليزية غير دارجةٍ ليصدّرُ لنا صورة المثقف الواعي المتمكن. 

وليس هذا فحسب وليس هذا سبب اختياري لكلمة مدعي لوصفه، الادعاء الحقيقيّ في رأيي ظهر لنا في سقطته الأخيرة سقطة الـ«Mentality» والـ«School» والتي كشفت لنا ادعاءه للثقافة أيضًا. 

هناكَ خطأ يرتكبه دائمًا حديثي العهد بالقراءة، هو أنّهم يتصورن أنّهم بقراءتهم لكتاب أو إثنين أصبحوا مثقفين وذوي معرفة، وفي الحقيقةِ هذه ليست بمعرفة على الإطلاق، هذا ما يسمى بوهم المعرفة، لأن المثقف والواعي الحقيقيّ لا يتجرأ أن يتعالى، يعلم أنّه مهما قرأ من كتبٍ وتعلّم أن الطريق طويل، لا يتعالى على الناس بثقافته لأن يعلم بعد كل كتاب وبعد كل درسٍ أن العلم والثقافة هي رحلةٌ لا تنتهي وأن تقول أنّك مثقفُ فهذا ادعاء وتكبّرٌ على العلم.


.لازم نمّرن هنا..." - محمد صلاح"
*****

أراكم المرة القادمة...