السبت، 4 نوفمبر 2023

وأفوّضُ أمري إلى الله.

سأكتبُ هذه الأوراقُ في أوقاتٍ عصيبةٍ نمُر بها جميعًا وقلوبُنا ثكلى تتمزّق بفعل الصور والمشاهد التي تنهالُ علينا على الشاشاتِ، سأكتبُ هذا النص وسأتركه لمن يمُر عليهِ وأنا غير عابئٍ بما ستقوله أو ستظنّه لأننّي سأكتبُ ما أشعرُ به ليس باندفاعِ الشباب الحماسيِّ، ولكن بموضوعية العاقل الذي لا أدعيها لأسأل السؤال الذي يجولُ بخاطرك وتخشى سؤاله... «ماذا بعد كل هذا الألم؟»

حام هذا السؤال بخاطري البارحة، فلم أجدُ له إجابةً وأنا أشاهد مشاهد القصف الفاجر للقطاع، ماذا نريدُ وماذا سنستفيدُ في ظل نُظُمٍ لا تُقدِّمُ ولا تؤخِّر، ماذا سنكسبُ والواعي العاقل يعلم بأنَّ كل هذا سيتوقف وسيجلس الجميع على طاولة المفاوضات كما يجلسُ الجميعُ ليس تعاليًّا على من يجلس ليتفاوض والعياذ بالله، وإنّما لأنّ هذا هو الواقع أنّك تحاربُ لتجلس وتتفاوض... أردتُ أن تسأل نفسك هذا السؤال معي لنتشارك؟ لتسقط في بحرِ المجهولِ معي وستضع في بالك أيضًا كما أضع الآن معك نبل القضية وقدسيتها بالنسبة لنا جميعًا.

حين نحاربُ يجبُ أنّ نضع في بالنا الأضرار الجانبية التي تقع وستقع! إن الأضرار الجانبيّة من اليقين الأزليّ للحرب أيًّا كان شكلها أو وقتها، هي حقيقةٌ أبديّةً يعلمها حتى المدنيون الذين لم يحملوا أبدًا سلاحًا أو رأوا حربًا، ولا تأخذك الحماسة صديقي لتذهب لتسيء الظنَ بي بطرحي هذا؛ لأنّني أعلم بأن هذا ما يجول بخاطرك الآن، وصدقني إن كنت أنت من يسأل هذا السؤال ستأخذني نفس الحماسة وبنفس الدرجة لأستبقُ سؤالك: «ماذا تقصد بهذا؟» ظنًا وجورًا وعدوانًا بأنني أضع لومًا على المقاومين في هذا البلد الأبيّ الصامد، بل أقول بكلِ صدقٍ أن هذه الحرب ستتوقف إن عاجلًا أم آجلًا وأنه يجب أن يقف الأخيارُ على ناصيةِ المنطق ليجروا بعض الحساباتِ لأنَّ الخاسر الوحيد في الحروب التي على هذه الشاكلة هي الشعبُ وأنّ الثمن الذي يدفعه هؤلاء الأبطالِ العُزَّل الآن هو ثمنٌ غالٍ يجبُ أن يُوضعُ في الحسبانِ.

أيًّا كان الثمنُ الذي تنتظره المقاومةُ من تلكَ الحربِ لا يُقارنُ بكلِ صدقٍ بما يحدث الآن ولن يتوقف، والرهانُ الذي تتخذه المقاومة الآن يجبُ أن يكون مدروسًا جيدًا، ونقول هذا بهواننا وقلة حيلتنا التي تكتبُ هذه النصوصِ وتتخذ إجراءات لا تُثمن ولا تُغني من جوعٍ، من مقاطعةِ لمكملاتٍ ترفيهيةً نُصرةً للقضية أو بأحرفٍ حزينةٍ بائسةٍ لا تملك شيئًا ولا تقدم أو تؤخّر، يجب أن يكون لكل هذا حدًا ليس باستسلامٍ للواقع الذي يخبرنا كل مرة أنَّ النصر الذي سيحدث لن يحدث في هذا الوقتِ، لن يحدث إلّا بحربٍ شاملةٍ يشارك فيها كل مسلمٍ، حربًا تقوم بعدها ساعتنا وساعة هذا الكونِ البائس أخيرًا ويكونُ فيها الخلاص نهايةً لكل ألم ولكل ذنبٍ ولكل قطرة دمٍ لطفلٍ وسيدةٍ تسقط في رقبة كل عربيٍّ ومسلمٍ.

أما هذه الحرب ومثيلتها هي حروبُ ارسال الرسائل والاستنزاف التي يجبُ أن تكون محسوبةً، لأنّ المعارك الغير محسوبةٍ خاسرة دائمًا وأبدًا! ونرى ذلك رؤيا العين في نفس الحرب على الجانب الآخر الداعر في فشلِهِ كل مرة في معركته الغير محسوبة وهي التوغل البريِّ، واعتبروا يا ألو الألباب... ستنتهي هذه الحربُ يومًا، وعندما تنتهي أدعوك أن تعيد قراءة هذا النص لتعلمَ أننّي لم أكن أبتغي شيئًا غير الخير وليس بعنترياتِ العامةِ التي لا تقتلُ ذبابةً هذا وأفوّضُ أمري لله.

Le mal de mer (Seasickness) by René Magritte

******


أراكم المرة القادمة...