الخميس، 20 أغسطس 2015

بول شيت - 14#: خيالات.

خيالاتٌ، تراودني
خيالات.

خيالاتٌ... تقول عائلتي
أنهّا تفاهات.

خيالاتٌ، تحاصرني...
شرقًا وغربًا
وفي كل الاتجاهات.

خيالاتٌ متقلبّةٌ
لها حالات...

تلهمني
عندما أكتب...
وفي الليل
عندما أحلم...
عِجفات.

تشاركني سعيدًا،
وفي وحدتي
تبعث لي
سلامات.

خيالاتٌ، تراودني
خيالات.

خيالاتٌ... تقول عائلتي
أنهّا تفاهات.

خيالاتٌ، تحاصرني...
شرقًا وغربًا
وفي كل الاتجاهات.

*******

.Portrait by Laurence Demaison


أراكم المرة القادمة...

الثلاثاء، 18 أغسطس 2015

البلا بلا بيليڤز.

أتذكر ذات مرةٍ عندما كنت صغيرًا في أحد حلقات تحفيظ القرآن في المسجد المجاور لبيتي أن أحد الشيوخ كان قد سمع أحد الأطفال يردّد بعض الكلمات الإنكليزية التي حفظها في المدرسة داخل المسجد بينما كان يسترجع ما حفظه قبل التسميع[1]، وكان من بين تلك الكلمات كلمة Mosque، فلمّا سمع الشيخ هذه الكلمة أغلق المصحف الذي كان يقرأ فيه وجمعنا أمامه وأخذ يحدّثنا عن أهميّة اللغة العربية في البداية... وأن نولي لها الاهتمام فهي لغة القرآن، وأهل الجنّة وما إلى ذلك... ثم جلس وأسند ظهرة إلى أحد عواميد المسجد وقال وقد بدى عليّه التأثر...
«هل تعلمون ماذا تعني كلمة Mosque التي يعلمّونكم إيّها في المدارس، كلمة Mosque تعني المستنقع الذي يعيش في البعوض، مساجد المسلمين الطاهرة في الإنكليزية تعني المستنقع العفِن الذي يعيش فيه البعوض. فلا تقولو Mosque وقولوا مسجد.»[2]
ثم استدرك مجددًا، وقال:
«وكلمة bye أيضًا... تعني "في رعاية البابا!"»[3]
لم نكن قد تجاوزنا الثانية عشر بعد، وكان وقع تلك الكلمات علينا عظيمًا، كم هم أشرار هؤلاء الإنكليز الملاعين، يدّنسون كل شيءٍ حتى الشيبسي وبطاقات البوكيمون[4] المحملة بالسرطان، لم يكفيهم ما فعلوه بفلسطين، يتآمرون علينا حتى نصبح مرضىً حين نكبر، ولا نستطيع أن نحرر الأقصى.

لم يكن يعلم هؤلاء الشيوخ وهؤلاء الناس أننا سنكبر يومًا ما وستتطور التكنولوجيا إلا هذه الحد وأننا سنعرف الحقيقة وسنقرأ مناهج أخرى غير مناهجهم، وستنكشف خرافاتهم، واستغلالهم عقولًا كان بالإمكان أن تصبح بيئة مناسبةً للإبداع، ولكنهم أفسدوا أكثرها بالخوف والمؤامرة التي وضعوا بذرتها بينما كنّا صغارًا، وسقوها بالخرافات على مدار سنين حياتنا وحين أزهرت وأينعت أخرجت شبابًا مستهلكًا منكسرًا بالخرافات، مشبقًا بخرافاتهم ومستسلمًا للسيناريو المكتوب، والمحتوم بالنسبة إليه.

ستنهي دراستك، وستخدم بلدك، ثم تفني آخر ما تبقى من شبابك "بتكّون نفسك"، ثم ستجلس في إحدى الصالونات المُدّبرة، حيث تحالف الآباء وتلاقت مصالحهم، ستجلس وسيُقدّم أمامك شرابٌ أحمر مرتبط ومزروعٌ في عقلك وعقلها بالفرح ومحفور في ذهنك يوم سبوعك[5] حين دُقَّ الهون، وقامت جدتك بوصمك بفروض الطاعة... ستجلس، وستشير موافقًا على كل الطلبات التي يطلبها الوالد طوعًا أو كرهًا، فلم تعد تطيق كلام الناس المسموم حولك "مش هتفرّحنا بقى يا معلم" وسأمت أيضًا الإيجار، وقيوده وكم المُلّاك الذين لا يريدون عزابًا، وكأن السبب الوحيد لشابٍ عازب لإيجار شقةٍ هو "علشان يجيب بنات"...

وعلى الفتيات أن تقبل أيضًا، حتى لا يفوتهم قطار العمر، وشبح العنوسة، وجلسات النميمة حيث يتفاخر كل منها بكم شابًا طرق بيتها ليطلب يديها، ورفضته، وهي في الحقيقة لم ترفضه بل رفضه والدها... هذه الجلسات إن نجحت، تخرج لنا نموذجًا محفوظًا من الأسرة المصرية الخالصة المتحفظة ذات الطفلين الأب عبارة عن كرشٍ متحرِّك، والأم عبارة عن شكلٍ اسطوانيّ مُنهّك القوىّ، لا هم لّهذه الأسرة إلا أن تعيد دورة حياتها عبر أطفالها فتزرع فيهم كل الأفكار التي تربوا عليّها ليمّرروا كل الأفكار القمعية المزرية التي عفي عليها الزمان، فيمرروا الاستقرار، والفهلوة والمشيّ جنب الحيط، والتدّين المُحافظ المُنافق...

Photo credit: http://www.arabacademy.com/

يؤمنون ولا يؤمنون، كل إيمانهم ومعتقداتهم وأفكارهم تضيع وسط الاستقرار والفهلوة والتدين المصلحة والبلا بلا... معتقدات البلابلا، أو البلا بلا بيليڤز، معتقدات تترك للمصلحة، وتؤخذ للمصلحة، ومن المصلحة وفي المصلحة، فكل ما هو مصلحة حلال، وكل ما فيه تضارب هو حرام... وتسرّبت هذه الشخصية الى السياسة، بعد أن تشبّعت بالدين، وأحتفظت بالبلا بلا بيليڤز خاصتها... مع الرصاص إذا كانوا هم مطلقيه، وإن كانوا في الجهة الأخرى أوسعونا كلامًا عن حرمة الدم، مع الغناء إن كانوا هم منشديه وضد الغناء إذا كان مُنشده آخرون. يقتبسون القرآن ليماشي قصصهم، وعندما يقتبسه آخرون يرمونه بالكفر والضلال.

يصبحون مهوسين بالسيطرة والسلطة، فلم يختاروا شيئًا في حياتهم، كل شيءٍ أختاره لهم مجتمعهم، فيظنون أن بإمكانهم الاختيار للجميع، تطبيق نهجهم ورؤيتهم، أنهم ولي أمرك من يحق له الاختيار وأنت ما هو إلا تابع حقير، لإن أتوا بالديموقراطية، فلتحيا الصناديق... وإن لم يأتوا بها فالصناديق رجسٌ من عمل الشيطان، والشورى هي الحل! استغلال الأميّة... يصبح الأمي مجاهد لخدمة للخير الأكبر، وإن أستغل أخرون الأميّة... فيصبح الأميّ عبد البيادة والعسكر...

وتستمر الدائرة بالدوران، في تخليق أشخاصًا بالبلابلا بيليڤز، فنفس طريقة التربية تُمرر عبر الأجيال، نفس الوسيلة، نفس السلعوة، ونفس أبو رجل مسلوخة، ونفس الخرافات تُمرر... نفس الكذبات ونفس السيناريو المكتوب... بلا أي إضافات... سوى المزيد من الأطفال والمزيد من النسل التالف.


أراكم المرة القادمة...

[1] التسميع: هو أن تقرأ على الشيخ القرآن الذي حفظته بدون مصحف، والجزء الجديد المحفوظ يسمى "اللوح" والجزء الذي حفظته يسمى "مراجعة" وهي مصطلحات تدّون غالبًا في كراسة.
[2] يوجد أربعة احتمالات لأصول كلمة Mosque ، وهم إما من الفرنسية: mosquée أو من الإيطالية القديمة: moschea أو من الإسبانية القديمة: mezquita أو من العربية: مسجد وجميع الأصول الفرنسية والإيطالية والأسبانية تعني مسجد. ولا يوجد أي دليل على أن كلمة Mosque مستمدة من كلمة إسبانية أو إنجليزية عني بعوض.
[3] Bye، هو اختصار دارج لكلمة Goodbye، وهذا المصطلح مستمد من مصطلح آخر قديم God b' wy والني تحولت أواخر القرن السابع عشر إلى good-b'wy. ولا يوجد دليل يدعم خرافة البابا.
[4] انتشر في تلك الفترة إنيمي مُدبلج يسمي البكيمون، وبعد انطلاقه أطلقت شركة شيبسي في منتجاتها بطاقات البوكيمون هذه، وفور نزول المنتج انطلق شائعة أن هذه البطاقات تحمل مرض السرطان، وإنّك يمكن أن تراه وتشمه بأنفك إن أحرقت هذه البطاقات على النار.
[5] السبوع: أحد العادات والطقوس المصرية القديمة، وفيها يتم وضع الطفل على صينية وغناء بعض الأناشيد الغير مفهومة، وتقوم غالبًا إحدى السيدات الكبيرة بدق الهون وترديد وصايا للمولود كأن يكون مطيعا لوالديه أو غيره.