تقديم: هناك طبقة في المجتمع المصري تعيش علي جسدها أو بالأحرى علي قوتها الجسدية –عمال اليومية- تلك الطبقات التي تشير إليها الشيوعية بمصطلح ’’بروليتاريا ‘‘. عندما تحدث اليوناني أفلاطون عن يوتوبياته في كتاب (الجمهورية) التي يُشار إليها على أنها ’’الاشتراكية الأولى‘‘؛ تخيّل المجتمع مدينة فاضلة تختفي منها الفروق والظلم الاجتماعي وتختفي منها الملكية الخاصة، إلا أن أفلاطون هو والمصلحون من فلاسفة عصره وقعوا في فخ عدم القدرة علي حل المشكلة وانتهوا بوضع الأمل في مدن فاضلة أبعد ما يكون إليه الواقع.
ظهر مصطلح بروليتاريا لأول مرة في القرن التاسع عشر في أدبيات الشيوعية علي أنه مصطلح سيطلق علي الطبقة التي سيهلكها الصراع الرأسمالي والنهج الاحتكاري الذي ستقوم مثل تلك الشركات بإتباعه وسيكون نتيجة تلك هي قيامها علي أجساد الطبقة البروليتارية ويتوقع كارل ماركس أنه سيقع علي عاتق هذه الطبقة تحرير المجتمع من الرأسمالية. وبما أن الرأسمالية هي مجرد نتيجة للثورات الصناعية والذي أدى بعد ذلك إلي نشوء الإمبريالية الاستعمارية العسكرية وقيام الحروب من أجل السيطرة علي موارد تلك البلاد والأهم هو التحكم في أسواق تلك البلدان فإن الرأسمالية مصطلح منبوذ مجتمعيَّاً وذلك لعدة مآخذ مثل أين تذهب الثورة المنتجة؟ والقرار السياسي بين الحكومة وأصحاب الثروات ورؤوس الأموال؟ الطبقات المُهًّمشة والدعم وما إلي ذلك من أشياء تساعد الأغنياء علي ازدياد غناهم علي حساب الطبقات الفقيرة.
أما علي الجانب الآخر تقف الاشتراكية بنظرتها التي تقوم علي عكس الرأسمالية فرأس المال مملوك للدولة ولمن يريد المساهمة من المساهمين الصغار بينما علي الجانب الأكبر يكون رأس المال للفئة التي تملك الطائل من الأموال وتأخذ الأرباح بعد اقتطاع الدولة للضرائب ولمرتبات العمال الضئيلة نسبياً بينما يقتطع الرأسمالين الأرباح كلها وحدهم علي عكس الاشتراكية التي يكون الربح فيها للدولة في المقام الأول ثم المساهمين الصغار، لكن أساس مشكلة الرأسمالية هو فرض سياسات معينة في أغلب الأحيان تكون احتكارية وتحكميّة للأسعار، كل ذلك لا يعني شيطنة الرأسمالية فبتدخل بسيط كما حدث في الولايات المتحدة الأمريكية في 1933 عندما تدخلت الحكومة لتحفظ حقوق العمال بعد ظهورهم كفئة انتخابية لا بأس بها وأهتمت بصياغة القوانين ذات البعد الاجتماعي ومحاربة البطالة والاتجاه للإصلاح التعليمي والتأمين الصحي.
هذا لا يعني بأن الاشتراكية هي الملاك المنقذ فهي مليئة بالعيوب هي الأخرى، فضعف الحافز يؤدي إلي كسل الدولة في تحديث منظوماتها كما أن النظام الاشتراكي يفتقد إلي الحس التنافسي للسلع والتسويق الخارجي أيضاً وكما أنه يفتقد إلي كفائية التخطيط المركزي، كما أن الفساد الإداري المؤسسي وامتلاك الدولة للنصيب الأكبر من رؤوس الأموال قد يؤدي إلي انهيار منظومات صناعية بأكملها وفي غياب الحافز يؤدي إلي التراخي الروتيني المتجلي والواضح في منشئاتنا الحكومية والذي يعاني منه جميع أفراد الشعب حتى الآن، ونماذج الفشل الاشتراكي تتحدث عن نفسها وتحول تلك الدول إلى الرأسمالية.
عندما أرادت مصر الاقتراض من البنك الدولي عدة مليارات، لم تكن أمريكا أو الدول المساهمة في البنك الدولي في حالة مؤامرة علي مصر ولم ترفض القرض ولكنّها اشترطت تقليل الدعم، فالولايات المتحدة الأمريكية باقتصادها المتحكم في الاقتصاد العالميّ واحتمالية إفلاسها التي تقترب من الصفر لا تريد إلا جعل نفسها نموذج رأسمالي يحتذى به، لذا فعندما يطلب البنك الدولي ’’سياسة تقشف‘‘ فإنما يريد به إيقاف الدعم وإرساء مبادئ الرأسمالية حتى ينهض اقتصاد مثل تلك البلدان ثم بعد ذلك تهتم بإصلاحات اجتماعية للطبقات البروليتارية . وبهذا تحقق الولايات المتحدة هدفها وهو جعل النهضة في مصر رأسمالية أمريكية. ولا بأس ببعض السياسات الرأسمالية التي تضمن بها بعض المقاصد السياسية.
مصر لها تجارب مريرة مع الرأسمالية، ابتداءً من محمد علي باشا الذي قام بتوزيع من الأراضي ما يتراوح بين 350 – 750 فداناً بسبب الضغط الخارجي والأزمة الاقتصادية في نظام سميّ لاحقاً بنظام العهدة والذي استفادت منه الطبقات العليا والتي شكلت بعد ذلك طبقة جديدة من مُلاكي الأراضي واتسعت بعد ذلك لتشمل العمدة الذي أوجده الخديوي إسماعيل ثم من بعد ذلك شيوخ البلدان. إلا أن كثيراً من النقاد يعتبر رأسمالية محمد علي بأنها رأسمالية بدون رأسماليين. وبعد وفاة عبد الناصر وتقريباً في أوائل عام 1971 أنطلق سيل من القوانين والدعاوي للاستثمار بأموال عربية وأجنبية منها من كان بقصدٍ احتكاريّ مثل إلغاء قرارات سابقة بفك قيود التصدير للقطاع الخاص. أما انتهاءً في عصر مبارك فانتشر النهج الاحتكاري علي أشد ما كان وارتفعت من نبرة الدولة وترويجها للخصخصة علي أنها الحل الأمثل لجميع المشاكل التي تمر بها البلاد، والجدير بالذكر أن عدد المصانع التي أنشئت منذ عام 1983 إلي عام 2008 بلغ أكثر من 2188 مصنعاً باستثمارات تتجاوز الـ4 مليارات دولاراً إلى أنها لم تستخدم سوى 216 ألف عامل منذ عام 1983.
وأخيراً، إن مستخدمو مصطلح العدالة الاجتماعية في عصر مبارك كان من باب تجنب غضب السلطات ويستخدمونها ككناية عن الدكتاتورية، وأشترك في تسويقه الاشتراكين والرأسمالين معاً، فالرأسمالين يستخدمونها بدلاً عن ’’المساواة‘‘، والاشتراكيين يستخدمونها ’’كشعار للمساوة بين مجتمعاتهم وبقية المجتمع الرأسمالي. مشكلة الحديث عن العدالة الاجتماعية هي أنها كلمة فضفاضة تحمل تحتها العديد من المصطلحات التي تجعله ينتهي إلي اختزاله إلى حسنة تمّن الدولة بها علي شعوبها. وهكذا تظل معاناة طبقة البروليتاريا تتأرجح بين الرأسمالية والإشتراكية تدور في حلقة مفرغة آملة في يومٍ من الأيام أن تحدث معجزة تغير الواقع الأليم.
يتاجر معظم الساسة بمصطلحات العدالة الاجتماعية ورعاية الطبقات المهمشة والطبقات البروليتارية ويستغلون ’’تعدد التعريفات‘‘ في الخطاب السياسي الموجه للفقراء، المصطلحات جذابة ولها وقع رائع علي الآذان، وحين تستحث الجانب الأخلاقي لديهم يستشهدون بالمقولة الشهيرة لـ(روس بيروت): ’’الحرب لها قوانين، ومصارعة الطين لها قوانين... أمّا السياسية فلا قوانين لها‘‘.
أراكم المرة القادمة...
ظهر مصطلح بروليتاريا لأول مرة في القرن التاسع عشر في أدبيات الشيوعية علي أنه مصطلح سيطلق علي الطبقة التي سيهلكها الصراع الرأسمالي والنهج الاحتكاري الذي ستقوم مثل تلك الشركات بإتباعه وسيكون نتيجة تلك هي قيامها علي أجساد الطبقة البروليتارية ويتوقع كارل ماركس أنه سيقع علي عاتق هذه الطبقة تحرير المجتمع من الرأسمالية. وبما أن الرأسمالية هي مجرد نتيجة للثورات الصناعية والذي أدى بعد ذلك إلي نشوء الإمبريالية الاستعمارية العسكرية وقيام الحروب من أجل السيطرة علي موارد تلك البلاد والأهم هو التحكم في أسواق تلك البلدان فإن الرأسمالية مصطلح منبوذ مجتمعيَّاً وذلك لعدة مآخذ مثل أين تذهب الثورة المنتجة؟ والقرار السياسي بين الحكومة وأصحاب الثروات ورؤوس الأموال؟ الطبقات المُهًّمشة والدعم وما إلي ذلك من أشياء تساعد الأغنياء علي ازدياد غناهم علي حساب الطبقات الفقيرة.
أما علي الجانب الآخر تقف الاشتراكية بنظرتها التي تقوم علي عكس الرأسمالية فرأس المال مملوك للدولة ولمن يريد المساهمة من المساهمين الصغار بينما علي الجانب الأكبر يكون رأس المال للفئة التي تملك الطائل من الأموال وتأخذ الأرباح بعد اقتطاع الدولة للضرائب ولمرتبات العمال الضئيلة نسبياً بينما يقتطع الرأسمالين الأرباح كلها وحدهم علي عكس الاشتراكية التي يكون الربح فيها للدولة في المقام الأول ثم المساهمين الصغار، لكن أساس مشكلة الرأسمالية هو فرض سياسات معينة في أغلب الأحيان تكون احتكارية وتحكميّة للأسعار، كل ذلك لا يعني شيطنة الرأسمالية فبتدخل بسيط كما حدث في الولايات المتحدة الأمريكية في 1933 عندما تدخلت الحكومة لتحفظ حقوق العمال بعد ظهورهم كفئة انتخابية لا بأس بها وأهتمت بصياغة القوانين ذات البعد الاجتماعي ومحاربة البطالة والاتجاه للإصلاح التعليمي والتأمين الصحي.
هذا لا يعني بأن الاشتراكية هي الملاك المنقذ فهي مليئة بالعيوب هي الأخرى، فضعف الحافز يؤدي إلي كسل الدولة في تحديث منظوماتها كما أن النظام الاشتراكي يفتقد إلي الحس التنافسي للسلع والتسويق الخارجي أيضاً وكما أنه يفتقد إلي كفائية التخطيط المركزي، كما أن الفساد الإداري المؤسسي وامتلاك الدولة للنصيب الأكبر من رؤوس الأموال قد يؤدي إلي انهيار منظومات صناعية بأكملها وفي غياب الحافز يؤدي إلي التراخي الروتيني المتجلي والواضح في منشئاتنا الحكومية والذي يعاني منه جميع أفراد الشعب حتى الآن، ونماذج الفشل الاشتراكي تتحدث عن نفسها وتحول تلك الدول إلى الرأسمالية.
عندما أرادت مصر الاقتراض من البنك الدولي عدة مليارات، لم تكن أمريكا أو الدول المساهمة في البنك الدولي في حالة مؤامرة علي مصر ولم ترفض القرض ولكنّها اشترطت تقليل الدعم، فالولايات المتحدة الأمريكية باقتصادها المتحكم في الاقتصاد العالميّ واحتمالية إفلاسها التي تقترب من الصفر لا تريد إلا جعل نفسها نموذج رأسمالي يحتذى به، لذا فعندما يطلب البنك الدولي ’’سياسة تقشف‘‘ فإنما يريد به إيقاف الدعم وإرساء مبادئ الرأسمالية حتى ينهض اقتصاد مثل تلك البلدان ثم بعد ذلك تهتم بإصلاحات اجتماعية للطبقات البروليتارية . وبهذا تحقق الولايات المتحدة هدفها وهو جعل النهضة في مصر رأسمالية أمريكية. ولا بأس ببعض السياسات الرأسمالية التي تضمن بها بعض المقاصد السياسية.
مصر لها تجارب مريرة مع الرأسمالية، ابتداءً من محمد علي باشا الذي قام بتوزيع من الأراضي ما يتراوح بين 350 – 750 فداناً بسبب الضغط الخارجي والأزمة الاقتصادية في نظام سميّ لاحقاً بنظام العهدة والذي استفادت منه الطبقات العليا والتي شكلت بعد ذلك طبقة جديدة من مُلاكي الأراضي واتسعت بعد ذلك لتشمل العمدة الذي أوجده الخديوي إسماعيل ثم من بعد ذلك شيوخ البلدان. إلا أن كثيراً من النقاد يعتبر رأسمالية محمد علي بأنها رأسمالية بدون رأسماليين. وبعد وفاة عبد الناصر وتقريباً في أوائل عام 1971 أنطلق سيل من القوانين والدعاوي للاستثمار بأموال عربية وأجنبية منها من كان بقصدٍ احتكاريّ مثل إلغاء قرارات سابقة بفك قيود التصدير للقطاع الخاص. أما انتهاءً في عصر مبارك فانتشر النهج الاحتكاري علي أشد ما كان وارتفعت من نبرة الدولة وترويجها للخصخصة علي أنها الحل الأمثل لجميع المشاكل التي تمر بها البلاد، والجدير بالذكر أن عدد المصانع التي أنشئت منذ عام 1983 إلي عام 2008 بلغ أكثر من 2188 مصنعاً باستثمارات تتجاوز الـ4 مليارات دولاراً إلى أنها لم تستخدم سوى 216 ألف عامل منذ عام 1983.
وأخيراً، إن مستخدمو مصطلح العدالة الاجتماعية في عصر مبارك كان من باب تجنب غضب السلطات ويستخدمونها ككناية عن الدكتاتورية، وأشترك في تسويقه الاشتراكين والرأسمالين معاً، فالرأسمالين يستخدمونها بدلاً عن ’’المساواة‘‘، والاشتراكيين يستخدمونها ’’كشعار للمساوة بين مجتمعاتهم وبقية المجتمع الرأسمالي. مشكلة الحديث عن العدالة الاجتماعية هي أنها كلمة فضفاضة تحمل تحتها العديد من المصطلحات التي تجعله ينتهي إلي اختزاله إلى حسنة تمّن الدولة بها علي شعوبها. وهكذا تظل معاناة طبقة البروليتاريا تتأرجح بين الرأسمالية والإشتراكية تدور في حلقة مفرغة آملة في يومٍ من الأيام أن تحدث معجزة تغير الواقع الأليم.
يتاجر معظم الساسة بمصطلحات العدالة الاجتماعية ورعاية الطبقات المهمشة والطبقات البروليتارية ويستغلون ’’تعدد التعريفات‘‘ في الخطاب السياسي الموجه للفقراء، المصطلحات جذابة ولها وقع رائع علي الآذان، وحين تستحث الجانب الأخلاقي لديهم يستشهدون بالمقولة الشهيرة لـ(روس بيروت): ’’الحرب لها قوانين، ومصارعة الطين لها قوانين... أمّا السياسية فلا قوانين لها‘‘.
أراكم المرة القادمة...