الجمعة، 5 يناير 2024

تسارع العالم الجديد

سيحينُ الوقت دائمًا لنراجع قراراتنا، لنجلس ونُفَّكر ونتناقشُ مع أنفسنا أولًا في وسطِ تيهٍ لسنا عالقين بهِ وحدنا نحن بل سادَ العالمَ كُلَّه في وسط تسارع العالمِ الرهيبِ الذي صار للإنسانِ فيه ليس سوى فخٌ ومِصيدة!

نعيش الآن في حقبة غيرُ مفهومةٍ وغير معقولةِ يتساوى فيها الممكنُ والمستحيلُ يتساوى فيها الحقُ والباطل، نكذبُ ونُكذِّب المنطق أحيانًا حتى نكون صوابيِّن نحنُ ندرك الحقيقة تمامًا ومع ذلك لا نجهر بها خوفًا من سلطةٍ ومفاهيمَ صنعناها بأيدينا نحن، صنعنا الأغلال لنتقيّد بها ونقيّدُ بها الآخرين حتى صارت المزحة التي كنّا نسخر منها ونحنً صغارًا حقيقةً كيف لكفَّار قريشٍ أن يصنعوا صنم عجوةٍ وحين يجوعون يأكلونها!

نحنُ نتطرَّفُ كل يومٍ في أفكارنا... ليس رغبةً منَّا في التطرف في حدِ ذاته ولكن لأن هذا أصبح سمةَ العصرِ والوسم الدارج، هذا العصر سمته "التسامحُ والإنسانية" فنحنُ نتطرف ونغالي في نصرة أي أقليةٍ من أي نوعٍ -جزءٌ صحيح- ولكن في نفسِ الوقتِ لا نهاجمهُ ونعفيه من أي مسؤوليةٍ بل ونذهبُ لنقدِّسه ونجعله غير قادر على الخطأ في الأساس... نتطرف مزايدةً وغلوًا في كل شيءٍ حتى أصبحتَ لا تجرأ على قولِ مفاهيمٍ بسيطة كالسمنةِ بل تذهب لأقصى الحدود بحثًا عن مسمياتِ أخرى أكثر "لُطفًا" كـ"ممتلئٌ (جميلٌ.. رائعٌ... واثق)!".

لا أفهم حقيقةً سر ذلك ربما النيةُ هي عدم التنمر لكن الوضع أصبح بأننا لا نستطيع حتى تسمية الحقيقة من الخيال، ربما هو تطرفٌ غير طبيعيٍّ للأفكار وربما في المستقبل سنحذو حذو (جورج أورويل) في رواية 1984 ونلغي أي كلمةِ تسببُ حزنًا لأي شخصٍ فيصبح معجمنا لا يحمل كلماتٍ مثل (حرب، عاصفة، حزن، سوء كرب، هم، فقر) أو ربما (أصلعًا، سمينًا، نحيفًا)!

أو ربما نستيقظ و "يحينُ الوقت دائمًا لنراجع قراراتنا، لنجلس ونُفَّكر ونتناقشُ مع أنفسنا أولًا في وسطِ تيهٍ لسنا عالقين بهِ وحدنا نحن بل سادَ العالمَ كُلَّه في وسط تسارع العالمِ الرهيبِ الذي صار للإنسانِ فيه ليس سوى فخٌ ومِصيدة!"


Brave New World 07 - Ian Young

******


أراكم المرة القادمة...