الاثنين، 18 أبريل 2016

الواقع أم الخيال؟

يُقال إن الواقع أصدق وأكثر إفادة... ولأنّ نظرتنا محدودة وماديّة بشكلٍ أو بآخر فإننا نميل لأن نُصّدق ذلك، بل ونؤمن بأن الواقع هو الأساس والمعضلة البشرية وأساس الوجود. ولو أننا ألقينا نظرةً أعمق على هذا الطرح الذي نُسّلم به تمام التسليم فإننا من المفترض أن بناءًا على ذلك أن نُقّر به على طول الطريق ونسقطه أيضًا على معتقداتنا وأيماننا بواقعيّة تحدّدها حدود المنطق السليم وأن إدراكنا لتلك المعتقدات يجب ينبثق من نفس تلك الحدود.

الواقع الذي نعيشه اليوم بكل تفاصيله كان في يومٍ من أيام فكرة في خيال شخصٍ ما، كلمةٌ في رواية أو وصلة في أحد الأغاني، أو في لوحة فنان... كل الاختراعات كانت في يومٍ من الأيام أحلامًا تائهة إلى أن اهتدت يومًا لعقلٍ نابغٍ اخرجها لواقعنا الملموس.

الخيال هو ما يدفعنا للغد، ولحدود المستحيل، حتى حياتك تعيشها لأجل صورةٍ كونتها لنفسك في المستقبل بأنك ستكون ذلك وذاك، وأيضًا الميتافيزيقا... هل فكرت لثواني أيضًا أن واقع ما ندرك به من معتقداتٍ مبنيّ في أساسه على الخيال، وأن لا وجود لمعتقداتنا بدون بعض القفزات التي تنفذها مخيلاتنا، منذ وجد الإنسان على هذه الأرض والخيال يلاحقه، فكرة الوجود، والحياة بعد الموت وفكرة الحساب وفكرة وجودِ إله في الأساس هي أفكارٌ مبنيّة في صميمها على الخيال، وتستلزم قدرًا مهولًا من الخيال في لادركها ورغم أنها لا تلمسنا في واقعنا الماديّ بشيءّ إلا أنها تُحددّه، ونبني واقعنا عليها بشكلٍ أو بآخر، وتلك المعتقدات تُحددنا وتحدد سياستنا وحياتنا بشكلٍ كليّ إلى أن تحكم في النهاية أفكارنا ثم في المنتهى تُحدد خيالاتنا، لتحكم قبضتها علينا.

الخيال عظيم للغاية فلا شيء يُحدده، ولا شيء سيحددّه، وهو أعظم ما بملكه المرء؛ فلا مستقبل بدونه ولا تقدّم بدون ولا فروق بين الأفراد بدونه... منّه ولدنا وإليّه سنكون؛ كنّا في يومٍ من الأيام خيالًا في طفلٍ وطفلة تخيّلوا أنفسهم أبًا وأم... إلا أن أتيحت لهما الفرصة بأن يفعلوا، وفعلوا وكنتَ، ويومًا ما بعد مماتنا سنكون أيضًا خيالًا في حيواتٍ لمسناها، وذكرىً عالقةً تتوه في خيالاتٍ أكبر –أحوسب؟، أهو في جنّةٍ أم جحيم؟- وهكذا... إلى أبد الآبدين.



.A portrait by:  Kyle Thompson


أراكم المرة القادمة...