الاثنين، 25 ديسمبر 2023

حان الوقت...

تتشابكُ الحروف في الذهنِ وتعلق الكلمات فيهِ حين أحاولُ الكتابة؛ تمتزجُ المواضيعُ وتتشابكُ في مخيلتي لتخرج على هيئة قصاصاتٍ! ولكنها تنطلقُ بغتةٌ وكأنّها رصاصةٌ طائشةٌ خرجت من فوهةِ بندقيّةٍ حذرة لكنها ستنفجرُ لتخرج كما تخرجُ دائمًا لعلّها تصيبُ صلب الحقيقةُ وكأنها تعلم بأن لا سبيل إلّا أن تنفجر وتُفجِّر!

مضى وقتٌ طويلٌ على هوامش العودة، ولربما حان الوقت لتلك الهوامش لتعود مجددًا!

Resurrection - Mark Heine


******


أراكم المرة القادمة...
 

السبت، 4 نوفمبر 2023

وأفوّضُ أمري إلى الله.

سأكتبُ هذه الأوراقُ في أوقاتٍ عصيبةٍ نمُر بها جميعًا وقلوبُنا ثكلى تتمزّق بفعل الصور والمشاهد التي تنهالُ علينا على الشاشاتِ، سأكتبُ هذا النص وسأتركه لمن يمُر عليهِ وأنا غير عابئٍ بما ستقوله أو ستظنّه لأننّي سأكتبُ ما أشعرُ به ليس باندفاعِ الشباب الحماسيِّ، ولكن بموضوعية العاقل الذي لا أدعيها لأسأل السؤال الذي يجولُ بخاطرك وتخشى سؤاله... «ماذا بعد كل هذا الألم؟»

حام هذا السؤال بخاطري البارحة، فلم أجدُ له إجابةً وأنا أشاهد مشاهد القصف الفاجر للقطاع، ماذا نريدُ وماذا سنستفيدُ في ظل نُظُمٍ لا تُقدِّمُ ولا تؤخِّر، ماذا سنكسبُ والواعي العاقل يعلم بأنَّ كل هذا سيتوقف وسيجلس الجميع على طاولة المفاوضات كما يجلسُ الجميعُ ليس تعاليًّا على من يجلس ليتفاوض والعياذ بالله، وإنّما لأنّ هذا هو الواقع أنّك تحاربُ لتجلس وتتفاوض... أردتُ أن تسأل نفسك هذا السؤال معي لنتشارك؟ لتسقط في بحرِ المجهولِ معي وستضع في بالك أيضًا كما أضع الآن معك نبل القضية وقدسيتها بالنسبة لنا جميعًا.

حين نحاربُ يجبُ أنّ نضع في بالنا الأضرار الجانبية التي تقع وستقع! إن الأضرار الجانبيّة من اليقين الأزليّ للحرب أيًّا كان شكلها أو وقتها، هي حقيقةٌ أبديّةً يعلمها حتى المدنيون الذين لم يحملوا أبدًا سلاحًا أو رأوا حربًا، ولا تأخذك الحماسة صديقي لتذهب لتسيء الظنَ بي بطرحي هذا؛ لأنّني أعلم بأن هذا ما يجول بخاطرك الآن، وصدقني إن كنت أنت من يسأل هذا السؤال ستأخذني نفس الحماسة وبنفس الدرجة لأستبقُ سؤالك: «ماذا تقصد بهذا؟» ظنًا وجورًا وعدوانًا بأنني أضع لومًا على المقاومين في هذا البلد الأبيّ الصامد، بل أقول بكلِ صدقٍ أن هذه الحرب ستتوقف إن عاجلًا أم آجلًا وأنه يجب أن يقف الأخيارُ على ناصيةِ المنطق ليجروا بعض الحساباتِ لأنَّ الخاسر الوحيد في الحروب التي على هذه الشاكلة هي الشعبُ وأنّ الثمن الذي يدفعه هؤلاء الأبطالِ العُزَّل الآن هو ثمنٌ غالٍ يجبُ أن يُوضعُ في الحسبانِ.

أيًّا كان الثمنُ الذي تنتظره المقاومةُ من تلكَ الحربِ لا يُقارنُ بكلِ صدقٍ بما يحدث الآن ولن يتوقف، والرهانُ الذي تتخذه المقاومة الآن يجبُ أن يكون مدروسًا جيدًا، ونقول هذا بهواننا وقلة حيلتنا التي تكتبُ هذه النصوصِ وتتخذ إجراءات لا تُثمن ولا تُغني من جوعٍ، من مقاطعةِ لمكملاتٍ ترفيهيةً نُصرةً للقضية أو بأحرفٍ حزينةٍ بائسةٍ لا تملك شيئًا ولا تقدم أو تؤخّر، يجب أن يكون لكل هذا حدًا ليس باستسلامٍ للواقع الذي يخبرنا كل مرة أنَّ النصر الذي سيحدث لن يحدث في هذا الوقتِ، لن يحدث إلّا بحربٍ شاملةٍ يشارك فيها كل مسلمٍ، حربًا تقوم بعدها ساعتنا وساعة هذا الكونِ البائس أخيرًا ويكونُ فيها الخلاص نهايةً لكل ألم ولكل ذنبٍ ولكل قطرة دمٍ لطفلٍ وسيدةٍ تسقط في رقبة كل عربيٍّ ومسلمٍ.

أما هذه الحرب ومثيلتها هي حروبُ ارسال الرسائل والاستنزاف التي يجبُ أن تكون محسوبةً، لأنّ المعارك الغير محسوبةٍ خاسرة دائمًا وأبدًا! ونرى ذلك رؤيا العين في نفس الحرب على الجانب الآخر الداعر في فشلِهِ كل مرة في معركته الغير محسوبة وهي التوغل البريِّ، واعتبروا يا ألو الألباب... ستنتهي هذه الحربُ يومًا، وعندما تنتهي أدعوك أن تعيد قراءة هذا النص لتعلمَ أننّي لم أكن أبتغي شيئًا غير الخير وليس بعنترياتِ العامةِ التي لا تقتلُ ذبابةً هذا وأفوّضُ أمري لله.

Le mal de mer (Seasickness) by René Magritte

******


أراكم المرة القادمة...
 

الأحد، 15 أكتوبر 2023

الحقيقة الضائعة

يحضرني أننّي ذات مرةٍ جلست مع بعض الأصدقاء على أحدِ المقاهي الشعبية في وسط البلد عامِ 2012 وأخذنا نتحدث بشغفِ الثورةِ الأول عن مصر المستقبلِ ورؤيتنا لمصر عام 2030، كرؤية موضوعيّة أن يستلزم للوطن على الأقل خمسة عشر عامًا لأن يكون على الطريق الصحيح، تاركين الأحلام الواهية لمعظم الرموز الذين كانوا رموزًا على الجانب أو بالأحرى بالتعبير الشعبي: «بوسه وحطه جنب الحيط».

كان على رأس النقاش ذلك اليوم القضيّة الفلسطينية، وما جعلها كذلك هو تلك الدعوات وقتها وكانت تسمى «بالزحف للأقصى» في ذكرى النكبة وأشتد النقاش الذي لا أدعي أنّه كان موضوعيًّا بشكل كامل، فمعظمنا كانت تدفعه العواطف والهوية في الأطروحات، اختلفنا كثيرًا وعَلَى الصوت وتمسّك كلٌّ منا حتى ساد الصمت كأنّ صوت عمر سيلمان أوقفنا وقال: «Egyptian people are not cultured enough for democracy!» ساعتها فقط تعلمتُ كيف تضيع الحقيقة! ورأيت ذلك تأكيدًا وبرؤى العين يومها وبعدها بعد توالي الأحداث.

تضيعُ الحقيقة بين طرفيّ الحوار والنزاع، تضيع بكل كلمةٍ وبكلِ حرفٍ وبكل تأويلٍ بقصدٍ أو بدون، تضيع وتختفي بتقلّب الأزمان وبتقلّب المنفعةِ، وحتى بتبادل الأوضاعِ والكراسي، نشاهد اليوم والأمس كيف يتم تشويه الحقيقة التي تختلفُ باختلاف الرواية والشاشةِ بخيرٍ وشر يتبدّل بتبدّل الرواة وباختلاف الصورة والقصص التي تحكيها وكذلك باختلاف اللغة وباختلاف القصد، فلا نتوحد في روايتنا التي نؤمن بها ونعيشها بكل مشاعرنا وهويتنا بيقيننا الراسخ الذي لا ندعيه فنذهب به إلى إنسانية الغرب التي ليست بإنسانية، وهم أوربا الذي ترعرع في مخيلاتنا وفي عقولنا بفعل ماكينة إعلاميّة لم تكن أبدًا في صفنا أبهرتنا كالقرويُّ الذي أبهرته أضواء المدينة؛ تشبعنا به بهونٍ فأصبحت معاييرهم هي اللعبة التي نلعب بها، ونسينا كما ننسى دائمًا أن تلك المعايير هي معايير وضعها الغربيُّ للغربيُّ يُحدِّثنا بها تكبرًا وحين يتعلقُ الأمر بنا فتلك المعايير تمسحُ بممحاة وكأنّها لم تكن، فلم تكن أبدًا لنا في أبو غريب وفي أفغانستان وفي سوريا وفي اليمن وفي مصر وفي.. وفي...

ومع ذلك ننبطح في قيم الغرب الذي ينشدونا دائمًا حين يُقتلون، وعندما يكونون القاتلين نصبح كما نصبح دائمًا إرهابيين نستحق القتل... فتذكر عزيزي المنبطح المنبهر أن تلك المفاهيم لم ولن تكن أبدًا لك، وصدقني بمعاييرٍ صادقة يقوم بها شخصٌ يتوسط النزاع بدون أي ميلٍ أو زيغٍ سنكون دائمًا على الدوام نحنُ العربِ الأكثر إنسانية على مر التاريخ.

وفي النهاية أحب أن أتوجه بعميق شكري وتقديري لمشهدٍ لا يغادر تفكيري كلما رأيتُ منبطحًا على المنصاتِ هو مشهدٌ أبدعه المخرج والمؤلف محمد أمين في رائعته «ليلة سقوط بغداد»... والله هينضفونا!

والله هينضفونا - فيلم ليلة سقوط بغداد
******


أراكم المرة القادمة...

السبت، 2 سبتمبر 2023

هوامش في الملل والدوبامين


نعيشُ هذه الأيام أسوء الفترات على مر التاريخ، حيث تنعدم الحياةُ عن الحياة، نفقدُ إحساسنا بالبهجة والمتعة في عالم يعاني من فرط الملل، وأعلى نسب الاكتئاب على مر العصور، رغم التقدم العلميّ والتكنولوجيّ نحن نشعر بسعادةٍ أقل! هل تتصور عزيزي القارئ أنّك كشخصٌ عاديّ مُرَّفه أكثر من إمبراطورٌ من العصور الوسطى! حيث تنعم بماءٍ نظيفٌ، مساكن تقيك برد الشتاءِ، لا تزرع ولا ترعى ما تأكل!

إن الإنسان المعاصر بشكلِه الحاليّ برغم ما نجح في الوصول إليّه من رفاهية الحياة هو أقل حزنًا وأكثر كآبةً وأقلُ إقدامًا على الحياة وذلك لسهولة وصوله للمتعة وفرط إفرازه للدوبامين وهو الهورمون الذي يفرزه جسدك ليعزّز من شعورك بالسعادة!

تخيّل صديقي أن الإنسان الأوّل عندما كان يخرج بحثًا عن صيدٍ ويمضي نهاره كاملًا في العراء كي يصطاد قوت يومه، هذه المعركة وهذا الجهد عندما يتحقق ويرجع بصيده لكهفه ليشوي قوته ويأكله، ساعتها فقط كان جسده يفرز الدوبامين! أما الآن أنت تلتقط هاتفك فحسب لتصلك شطيرة البرجر إلى بابك وقتما شئت وأينما كنت! ليفرز جسمك نفس الهرمون وأنت تستمتع بالشطيرة، هنا المفارقة ولُب المشكلة نحنُ نخسر كل يومٍ حيوتنا نخسر المتعة ونخسر المعنى منها!

ماذا يمكننا أن نفعل؟ بادئً ذي بدء حاول بقدر ما تستطيع أن تعتزل منصات التواصل الاجتماعي فهي لُب المشكلةِ وأساسها! بقدر ما تستطيع قدّر كل شيءٍ من حولك، كوبُ الماء، كوب الشايِ وكوب القهوة، لا تفرط وكن على قدر ما تستطيع ذلك الإنسان الذي يُقدّر النعمة ويرضى!

HEAD ON FIRE by Amr Ismail

******


أراكم المرة القادمة...

الجمعة، 18 أغسطس 2023

البحث عن الحقيقة.

الحقيقةُ تتجلّى في لحظة ما، تنبعثُ من بواطن الأمور كصفير أبريقِ شايٍ لحظةُ الغليانِ، لا تظهرُ بفعلها ولا لأنّها تريد أن تظهر وتنجلي، هذا ما يُعلمنا إياه التاريخ والواقع، بل تظهر الحقيقةُ بفعل العوامل والظروف وتتكشف برغبة الناس في إظهارها والنبش في التراب لاكتشافها!

في الفترة الأخيرة وقع الجميع في فخ الانتظار ووهنه لدرجة أن بدأ الناسُ يلومون بعضهم بعضًا على أشياء لم يكن لأحدٍ يدٌ فيها أبدًا، في صراعاتٍ وحروبٍ وهميّة نشأت في الفضاء بفعل المجموعات الضيّقة التي تحكم مصيدةِ التواصل الإجتماعيّ، حتى خف بوقها وصارت هي الأخرى ماسخةٌ كعسلٍ أضافه أحمقٌ على إحدى حباتِ فسيخٍ لكسر الطعم.

الحقيقةُ يا صديقي تتجلى عندما ننضج، نعمل، حين نبحث عن لقمةِ عيشٍ، نعلم أصلُ المشكلةِ ونحاول حلّها، الحقيقة تنكشف حين ننضج لأفعالنا، نزن مشاعرنا، ولا نأمل في أكثر مما يمكن أن نحصل عليه، نتقبل الواقع ونتفهّم حدود الخيال، وندع حدًا للأحلام، ساعتها فقط نستطيع المُضيّ بحياتنا قُدمًا، وأن نلقي برؤوسنا على وسائدنا وننام مطمئنين لأنّ في ذلك نعمةٌ لا يدركها إلّا القليلون.

Truth Beyond Reality Navigating the Map of My Mind By oanarinaldi.

******


أراكم المرة القادمة...