الأربعاء، 5 أغسطس 2020

بيروت... ذلك الحلم الجميل

لم يعد دويُّ الانفجاراتِ يُرهبنا، لم تعد مشاهدُ القتلى والجرحى تذعرنا، أصبحت المآسي والمصائبُ والفاجعاتِ جزءًا من حياتنا، وكأنّنا موصومونَ بالحزن والبؤس والوهن، يومٌ مصيبةٌ بجوارنا، ويومًا عندَ الجيرانِ وكأنَّ القدر يريدُ إرادةً أن يسحقنا أو ربما يرحمنا من شقاءٍ آخر يحتفظُ به لنا لوقتٍ آخر.

منذ زمنٍ ليس ببعيدٍ وقفت للمرة الأولى وعزمتُ ألّا ألوم الدهر والقدر على فاجعةٍ تحدثُ. قلتُ لنفسي أنّ الأشياءَ تحدثُ لسببٍ ما، وأن لكل سببٍ مُسبِّبٍ، وأنّه على المرء أن يبحث عن المشكلةِ وحسب، لكن اليوم اكتشفتُ أخيرًا أنّه لا توجدُ مشكلة فقط هو قدرنا الألمُ، والحزنُ، والشقاء... أن تضيع أحلامنا، أن نستيقظ يومًا ما ونجد كل أعمالنا هباءً تذروه الرياح.

اليوم وفي دقائق اختفى مربعٌ سكنيٌّ بأكمله في لحظاتٍ، ابتلعته نيرانٌ غادرة ظلت سنواتٍ وسنواتٍ قابعةً في ذلك الميناءُ، وفي لحظة احترقت، فاحترق معها كل شيءٍ.

منذ أشهرٍ كتبتُ على صفحتي على الفيسبوك شعوري تجاه بلدي مصر وشعبها، وأظن أن هذا النص يطابقُ شعوري تجاه لبنان وشعبه: «هذا البلد ليس بهذا السوء الذي يتم الترويج له به... هذا البلد صامدٌ جميل... يمضي ولا يبالي على الرغم من كل شيء، يضحك ويسخر ويأكل وتمضي أيامه، نعم دائم الشكوى غير راضٍ، لكن جماله يكمن في بساطته... حيث يُوجد المتعة والرضا بالقليل البسيط. هذا البلد وهذا الشعب جميل ومُحبٌ في أصله. نعم غربلته الأيام والغزوات لكنه محتفظ بكل ما يملك من أصالته وجوده وكرمه ورغبته التي لا تنتهي في الحياة.»

هذا الشعب الجميل الصامد، صاحبُ الروح الجميلة سينهض من جديدٍ، الشعبُ الذي حفر الذكرياتِ على الجدران، وروى الشوارع بدمائه الطاهرة، وأضاء لكل قضيةٍ من القضايا شمعةً، لن يكون أبدًا وحيدًا... وسينهضُ من الشوارع كما عهدناه وسيقف بقوةٍ مرةً أخرى... فقط لأنّه يعشق الحياة... وستعزف الأغاني وسيصبح حلمنا جميعًا هو حلم وديع الصافي ولننشد معًا وننسى حزننا في جمالٍ من نوعٍ آخر من جمال لبنان:

«بيي قال لي حكاية عن حلمه القديم...
قال لي الفرج جاي من الله الكريم.
وصرت بعمر بيي و يا حسرة علي
بعده الامل فيي عايش بالاحلام...
عمري بعده ناطر عابواب السلام.»

وزارة السياحة اللبنانية - صورة أرشيفية

*****

أراكم المرة القادمة...

الاثنين، 3 أغسطس 2020

أن نصبح على خيرٍ أخيرًا.

يبدو أنّها تقترب؛ علامات النهاية، كما تعلمون نحن نتوجه إليّها في ثباتٍ وتأنٍ وبحركةٍ منتظمة وعلى إيقاعٍ رخيم. ستكون نهايتنا نهاية دراماتيكيّة سينمائيّة، حيث سيخترق صوت أجراس النهاية الأفق ونقف في لا مبالةٍ في الظلام وسط الحشود ننتظر الخلاص.

فقدنا كل شيء حتى أحاسيسنا أصبحت مبتذلة، حتى إيفيهاتنا المعهودة صارت ماسخةٌ ثقيلة الظل وكأنها علمت أننا نحتضر، فلم تبذل جهدًا في أن تكون مضحكة. نضيع وسط تسارع الكون حولنا، حتى وإن واكبناه لا نحمل لأنفسنا أو للعالم أي جديد، سوى إسطوانتنا الشهيرة "كنّا".

كل ابتساماتنا، وكل آمالنا تضيع في أعين بشرٍ عرفناهم يومًا ما،  ولا أمل لنا في الخلاص منها عمّا قريب... أحيانًا تنتابني تلك المشاعر بأن هناك نصرٌ ما قريب وفي نظرات رعب تملئهم حبن نبتسم، وحين نَسِّفْ.

بعض الناس لا ينام خوفًا من الغد، والغد قادمٌ لا محالة، والنهاية باتت وشيكة، ولعل وعسى ولربما بعدها نُصبح على خيرٍ أخيرًا...

«كل ما قد عرفناه كان وهمًا،
وكل ما سنعرفه سوف يكونُ.
كل ما قد امتلكناه كان حرفًا،
وكل ما سيبقى سوف يزولُ.»

.A portrait by Martin Wittfooth


*****


أراكم المرة القادمة...