الخميس، 28 أغسطس 2025

غايةُ الحرب.

هناك لحظاتٌ فارقةٌ نكون علينا فيها أن نجري حساباتٍ دقيقةٍ حساسة، نضع قوائم الإيجابيات والسلبيات نُصب عيننا وبعينٍ ثاقبةٍ ندرسها... لكنّنا نعلمُ تمامَ العلمِ أين هي قلوبنا من هذه القوائمِ، والفطين من يُحيِّدُ كل هذه المشاعر ليخرج بقرارٍ يتحملُ الشخص فيه تبعاته.

أسهل الأشياء هي الدلو بالآراء في الفضاء الإليكترونيّ، يمكنك القول بأنّك سوبرمانٌ خارقٌ خطيرٌ سَبعُ برومبةٍ لا مثيل لك، لكنّ في الواقع وفي الحقيقةِ أنتَ أعجز من العجزِ سمنةٌ مفرطة ومدمن دوبامينِ أخرق لا تستطيع فيها أصلًا كبح رغباتك وملذاتك ومع ذلك تنشدُ الحربَ لأنّك جاهل أخرق لأنّك تعلم يا عزيزي ويا عزيزتي أنّكَ لن تدفع ثمن هذه الحرب أو ربما تتصور أنّك بعيد عنها.

إنّ انغماسنا في السلمِ لفترة طويلةٍ غيّب عن عقلنا حقيقةُ الحرب ومرارتها... وغايةُ الحربِ في الأساسِ هي ما بعدها... أو وزن المكاسب والخسائر... يعلو في الفضاء الإليكتروني الأحمق دعواتٍ للزج بمصر في حربٍ لا مكاسبَ فيها لإشباع رغبةٍ في العروبة والنضال والقومية الخرفةِ التي لم تكسب مصر منها مثقال ذرةٍ من مكاسب بل خسرت دمائها ولا يجب من مصر أن تدفع ثمن كل شيء في النهاية، لأن من يمول الماكينة الإعلامية للزج بمصر في جملٍ لا قيمة لها مُطبِّعٌ من ساسه لراسه، يريد لمصر أن تفعل كل شيء بدون أن تكسب أي شيءٍ، يريدونها حامية حمى الأمة العربية في الأوقات التي يرودونها أن تكون كذلك وفي خضم الحربِ يريدون أن يحاربون بنا وما أن ننتصر أو نخسر سرعان ما يتضرعون لماما أمريكا أنّهم لا شأن لهم بهذه الحرب.

عزيزي وعزيزتي المصريّ والمصريّة توقفوا عن أن تنساقوا نحو هذه المهاترات، وتذكروا أن من يدعوكم لهذه الدعوات لن يدفع دمًا أو قرشًا في هذه الحرب.

والله على ما أقول شهيد... وأفوض أمري إلى الله.


The tears of war by Giovanni Battista Costantini
******


أراكم المرة القادمة...

السبت، 29 مارس 2025

زحام النعم

 منذ أيامٍ كنتُ أحمل صغيرتي أحاول أن أجعلها تنام وإِذ فجأةً وبدون سابقِ إنذارٍ دوى صوت انفجارٍ من الشرفة كان الصوت ليس عاليًّا للدرجة التي يمكن القولُ بأنّه كان مدويًّا لكنّي وجدتُ الطفلة تقبض علي كتفي وتضمني ضمًّا شديدًا وعلى الفورِ كنتُ أربتُ عليها ربتًا لتهدئتها، غمرني الغضبُ من هؤلاء الأطفال الغير مسؤولين الذين يشعلون تلك الصواريخ ولكن تعلمون شهر رمضان وفرحةُ الصغار بمثل تلك الأشياء البسيطة، هممت غضبًا نحو الشرفةِ لأعنِّفهم لكن غمرتني رغبةً في الحزن والبكاء، تذكرت مشاهد القصف والصواريخ، مشاهد صغارٍ بين أكوامِ الركام، رُضَّعٌ فقدوا أطرافهم، وأيقنتُ أننا نسلِّمُ لأشياءَ بسيطة؛ أشياءٌ نعيشها فنسلِّمُ بوجودها كيقين الحياةِ والموت أشياء بسيطة كالنومِ في سلامٍ ولقمةِ عيشٍ بجبنٍ نأكلها مع كوب شايٍ صباحًا، نحن في زحامٍ من النعم، ولكنّنا لا نعلم قيمة الأشياء حقيقةً إلا بفقدانها.

هي لحظاتٌ للتأمل وليست دعوةٌ خسيسةٌ منّي لحمد الله على أوضاعنا الاقتصادية السيئة، بل دعوة لحمد الله على كل شيءٍ ودعوة لاستذكار أهالينا في غزة وألا تعتاد أعيننا على المذابح الصهيونية الخسيسة.



Fear painting by Natalia Marinych


******


أراكم المرة القادمة...