في الجحيم لقائنا...
عندما تتناثر الأشلاء في ربوع وطننا المجيد، وتعلوا أصوات المدافع والخراطيش،
وتنظم الأقلام رثائها، والحناجر أناشيدها، ويقع الآملين في ورطة تجارتهم، ويضيق صدر
الصابرين لوهنهم... ويتفكّر المتفلسفون في جدوى منشوراتهم... وينتشر المينستريم،
وترفع الهاشتاجات... معلنة الحداد... مُبشرّة بالنصر... ويُرفع الآذان أن اعملوا
للدار للآخرة... الدنيا ابتلاء... وفي الجنة الشهداء.
سمّاها أهلها الجنة، واجتمعت لوجودها كل الأديان، لا شيء مثلها... يذهب إليها الصالحون، والشهداء، والجوعى والمظلومين، تعطي للموت معنًى وتعطي للمظلوم أملًا في عالم ثانٍ... حيث النعيم والأبدية، لكن للجنة شروط تذكرتك إلى الجنة تتطلب موتك... وبعض أوراقٍ من رجال الدين، الذين يملكون توكيلات الإله... الوساطة المُقدسة... التي تُحدد الفقير من الغني، الظالم من المظلوم، الصالح من الطالح... نعم هم من يحددون... حتى الشهداء.
كان للفيلسوف كارل بوبر مقولة شهيرة: «أن من يعدوننا بالجنة على الأرض لم يعطونا إلا جهنم.»، ويبدوا في النهاية أن الجنة ما هي إلا الملاذ الأخير للأوغاد، ليتاجروا بما تبقى لدى المُستضعفين، تجارة بالجنة، فالفقر من أجل الجنة والظلم من أجل الجنة والشهادة من أجل الجنة، والتظاهر من أجل الجنة، وقتل المتظاهرين أيضاً من أجل الجنة.
نسف صدّام حسين قرىً بأكملها وشرد الآلاف وقتل من وقف ضده، وفي النهاية أعطاه رجال ديننا صك الشهادة والجنة، وأصبح شهيدًا، شهيدًا فقط لخطبةٍ ألقاها، كفّرت له عن آلاف وآلاف من القتلى الذين عارضوه، قتل السيسي المئات وعذّب وأعتقل الآلاف ولربما في آخر عمره يتوب، ويصبح شهيدًا هو الأخر.
قمة السيطرة أن تملك مفتاح الجنة، أن تُسيّر الجيوش طمعًا في الآخرة، وربما شهادتك هذه وجنتك هذه لا وجود لها... وربما هي وهم من الأوهام التي خلقنّها لنعطي معنىً لموت من نحب، أملًا في أن نلتقي من نحب مرة أخرى... منذ أيام توفيت شيماء الصباغ، كانت إشتراكية وربما تكون أيضًا شيوعية، كانت متبرجةً، أهيّ شهيدة في معاجمكم وقواميسكم، أم يلزمها الحجاب كي تصبح شهيدة، أو أن تكون في فئتك كي تكون شهيدة...
صورة توضيحية... توضح أن شيماء لم تأخذ صكًا بالشهادة بعد.* |
قيل من قبل في مجلس الشعب أنّه لا يجوز أن نقول على من مات في محمد محمود شهيدًا وإنما قتيل لأنهم كانوا بلطجية... ومرت الأعوام واصبحوا لمن كانوا يقولون ذلك شهداءًا صالحين ذ,ي رؤية صائبة... أرئيت كيف ينقلب البلطجيّ شهيدًا... والشهيد بلطجيًّا أو إرهابيًا... أي يعني أن من مات في محمد محمود تعذّب في النار 4 سنوات ومن ثم بعد أن أخذ الصك أصبح شهيدًا... وبالتالي أُخرج من الجنة.
أرئيتَ إن تاب السيسي ومٌبارك، ورضيّ عنهم جميع الساسة وتصالحوا وأصبح كل الشهداء من 2011 وحتى يومنا هذا بلطجيةً وخائنين، بشهادة رجال الدين... وخلّدوا أبد الدهر من الكافرين... كابن المقفع عندما انتقد الوالي، ليصبح فجأة من الملحدين الكافرين وقتل بدم باردٍ، ومازالت الفتاوي حتى الآن من رجال الدين تشير إليه بأنه ضالٌ مضلٌ... وستبقى أبياته الخالدة... شاهدةً على تحديّه الشجاع للوالي...
’’إِذَا مَا مَاتَ مِثْلِي مَاتَ شخصٌ…
يَمُوتُ بِمَوْتِهِ خَلْقٌ كَثِيرُ.
وأَنْتَ تَمُوتُ وَحْدَكَ لَيْسَ يَدِرِي…
بِمَوْتِكَ لَا الصَغِيرُ وَلَا الكَبِيرُ.‘‘
- ابن المقفع.
لا أدري متى ينتهي هذا العبث وهذا الستخفاف السافر بعقول الناس واللعب بالمصطلحات؟!، وكأنّهم يملكون خزائن رحمة الإله، ويجادلونك هذا مات مُبتسمًا إذا هو شهيد، ألم تعلم أن تشي جيفارا كان ملحدًا ومات مُبتسمًا أهو شهيد هو الآخر؟!، نفذ ما تُتاجرون به، ولم يتبقى سوى المتاجرة بحيواتِ الناس... وفي سبيلكم أنتم... ولا أحد غيركم... لا أريد جنتكم... ولا شهادتكم... وإن كان مقالي هذا خروجاً على الملة، إذًا ليكن في الجحيم لقائنا.
الضمير - فرنسوا شيفلريت |
أراكم المرة القادمة...
تعليقات
إرسال تعليق