على رصيفِ الميناء.
على رصيفِ الميناء، رست سفينة، سفينةٌ تحمل داخلها مختلف أنواع الحياةِ، وكأنّها سفينةُ نوحٍ تعيدِ تكرار نفسها، في مشهدٍ مهيب رست وسطَ فرحٍ عارمٍ منِ رُكّابِها وبحارتها الذينِ ما أن وطأت أقدامهم الرصيفَ عانقت رؤوسهم خرسانته سجودًا وحمدًا وشكرًا على سلامةِ الوصول، فهذا عاملٌ وذلك مغتربٌ أمضى سنين عمره في الغربةِ بحثًا عن قوتِ يومه، وذلك تاجرٌ كبيرٌ ينتظرُ شحنتهُ من السياراتِ التي سيتاجر بها في موطنه، وآخرونُ سافروا من أجلِ السفرِ حملوا آملاهم وطموحاتهم على السفينة باحثينَ على فرصةٍ جديدة، مغامرةٍ جديدة في مكانٍ آخر غير موطنهم.
تتلاحمُ الأجسادُ على رصيف الميناءِ تلاحمًا عجيبًا، فترى احتضانُ الأم لولدها، الزوجةُ لزوجها، الصديقُ لصديقه، وبحّارٌ لزميلهِ، في مشهدٍ مليء بكل مشاعر الحبِ والطمأنينةِ والسعادة، لوحةٌ فنيّة مُحيّرة حقًا، كل تلكَ المحبةِ والمشاعرِ تحتاجُ غربةً كي تظهر، تحتاجُ في البدء فراقٌ وعذاب ومشّدةٌ حتى تتذوّق حلاوتها، كم عجيبةٌ هي الحياةُ في تقديرها، كم مدهشةٌ حين تعّلمنا أن الفراقَ قد يكون سببًا في الحبَ، أن الحزنَ والوحدةِ قد تكونُ سبيلًا لأن تعيش يومًا ما حلاوة السعادة والأنس، كم غريبةٌ هذه الحياةُ!
أن يعودَ شخصٌ إلى المكانِ والموطنِ الذي لطالما كرهه بتلك الشهوة وذلك النهم، فيعودُ للقهوةِ التي كان يكرهُ «مِعَّلِمْها» ولكوب القهوة المحروقةِ «الزيادة» التي طلبها في الأساسِ «مَظْبُوطة» ويرتشف منها في نهمٍ شديد لعلبةِ كشري رديء لطالما كان يشكوا من فساده، ليلتهمه في شره ولذة... لينهارَ المنطقُ في صورته، وتنتصرُ الحياةُ في غرابتها، بلا أي تفسير أو معنى!
تعليقات
إرسال تعليق