قصة قصيرة: الضياع

سألتني والدمعُ بعيّنيها ’’أين الخروجُ، أين الطريق؟‘‘، لا أدري كيف الردُ؟ هل أخبرها أننا قد ضِعنا في ظلام الصحراءِ الذي تغشاه ظلماتٍ بعضها فوق بعض؟ أتظاهرُ بالتماسكِ أمامها لكن الخوف الخوف قد إجتاحني و ما يزيدُ الطينَ بِلّةً أنها لا تتوقفُ عن النظرِ إليّ. هي لا تعلمُ  أنني أُخفي خوفي  بتلك النكاتِ وذلك الحديث عن نزالاتٍ إخِتلقتُها كي أخّففَ عنها توترها وخوفها وأن أراعي انها قد أصيبت.

إنه الليل بكلِ أخطاره والخطر الأكبر هو (كانيس لوبوس) أو الذِئاب، أمسكُ بيدي عصاً خشبية جاهزة لإضرامِ النار فيها لإخافة أي حيوناتٍ  قادمة لإفتراسنا، إنها البرية يا سادة حيثُ البقاء للأقوى، أخشى ما أخشاه أن تكون الذئابُ قد تتبعت دمها، لم تخبرني أنها قد اصيبت إلا  بعد أن رأيتُ الدمَ علي رِدائها ولا تعلم بأمر الذئابِ التي قد تكونً الآن في طريقها إلينا، الأمر حقاً يشبه موقعة طروادة  يُخبر (باريس) علي السفينة في طريقِ العودة أخيه أنه قد أحضر (هيلين) معه، ليصبح السببُ في الحربِ بين  الإخائيين الإغريق وأهل طروادة، لكن في حالتي  سأكونُ وحيداً ضد الذئاب.

أعلمُ أنني لن أكونَ الأولُ ولا الأخيرُ الذي يموتُ في الصحراء، في رمالٍ متحركة أو عطشأً أو فرسية لبعض الحيواناتِ المُفترسة، في هذه الأحوال الأبطالُ الذين إبتذلهم الكُتابُ والذين لن ترونهم علي أرضِ الواقعِ أبداً سيصيحون قائلين: ’’إذا كنت سأموتُ، إذا سأموتُ مًحارباً‘‘ أما أنا فلستُ جباناً ولكني أعي المعادلة جيدأً وأدرك أنني لا أعرفُ  أين أنأ؟ الماء الذي بحوذتي سينتهي لا محالة؟ الأملُ الوحيدُ الآن أن نرى سيارة عابرة في هذا المكان تنقذنا، إذاً إحتمالٌ نجاتنا هو 10%، انظرُ إليها وأقولُ  لها: ’’فلتدعي الله لنا! أن يُنجينا ويهدينا للطريق‘‘.

لقد نصبنا خيّمة وقررنا أن نمضي الليلة  حتى بزوخ النهار لنكمل بحثنا عن الطريقِ، أربت بيدي علي رأسها وأداعبُ شعرها الأشقر، ’’حبيبتي، أتدرينَ المرة التي إلتقينا فيها، وقلتُ لكل لأولِ مرةٍ إنني أحبكِ‘‘ قالت لي وهي تبتسم: ’’8/5/1998، أمام مكتبة الأسكندرية!‘‘ أبتسمتُ وأستطردتُ قائلاً: ’’أتدرين أنني رسمتُ في ذاك اليومِ خطة حياتنا معاً إلي ذلك اليوم الذي سنشيخُ فيه أنا أصلحُ النافذة بينما تُحضّرين  أنتي الشاي وتحاولين أن تناولينني إياهُ  صائحة  في أحفادنا ’حاسبوا يا ولاد الشاي بتاع جدو‘.‘‘ ضحكتِ ثم نظرت إليه وأخذت تبكي:’’ليه بتقولي الكلام ده دلوقتي، إن شاء الله هيحصل وهنروّح البيت! صدقني! صدقني!‘‘  أنظروا االقدرِ وحكمته كنتُ قبل قليلٍ من يُهدئّها  والآن هي من تقوم بتهدئتي، يا اللهُ سًبحانك! وقلت في إبتسامةٍ: ’’دا شيء أكيد‘‘قاطعتني في عنفٍ ’’قل إن شاء الله!‘‘ رددتُ في حماسٍ: ’’إن شاء الله، طيب نامي إنتي وأنا هحرس الخيمة الله أعلم باليلِ وما يُخفيه في ظلامهِ‘‘

وما إن أخرجتُ رأسي من الخيمة إذ بضوءٍ من بعيد  إنها سيارة... يا الله حكمتك بهذه السرعة أخذتً أصيح وألوحُ كالمجنون وخرجت (سلمى) تصيح وإذا بالسيارة تتوقف ويخرجُ منها بعضُ البدوِ،  أخذت يدها وركضنا نحو السيارة  ونحن نصيحُ ’’يا شيخ العرب!‘‘ وإذا به ينظر لي فبنظرةٍ غريبةٍ يا الله أنكون قد إستنجدنا بقطاعِ طرقٍ أو مُهربي مُخدراتٍ! يا للحظ العسر! قال لي: ’’ بتعملوا إيه هنا... دعارة!‘‘ تباً! رددت عليه في خوفٍ: ’’لا! يا باشا!  العربية قلبت بينا! ودي خطيبتي!‘‘ رد أحدُ البدوِ الذين كانوا معه  ’’لا يا شيخ، خطيبتك!‘‘ وأخذت سلمى تصيح وتبكي:’’آوالله خطيبي...آوالله خطيبي...‘‘ تفقد أحدهم يديها ليتحققوا من صدقنا! ثم إبتسم  شيخُ العربِ وقال: ’’حمداً لله أننا وصلنا لكم، قبل الذئاب هلا صعدتم إلي السيارة سنوصلكم إلي حيثُ تريدونَ، وقبلها ربما تودون أن تأكلوا فيومكم يبدوا أنه كان عصيباً‘‘ أبتسمت لهُ وشكرته وضَممتُ (سلمى) إليّ!‘‘ وما كان منها إلا أن قالت ’’ مش قولتلك إنه هيحصل!‘‘.


It Can Be Downright Spooky In The Desert At Night.
10-26-09.Mike Jones



أراكم المرة القادمة...

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تعقيبًا على هوامش العودة.

غطرستنا...

وأفوّضُ أمري إلى الله.